إذا قلنا أن هناك نوع من الإتفاق بين العلماء المعتبرين على فرضية حجاب المرأة .. على إختلاف في شكل وطريقة هذا الحجاب , وماذا يستر وماذا يكشف .. وإذا قلنا أن 99% من المسلمات في مصر محجبات , ومنهم 5% أو أكثر منتقبات وأنه لا يوجد شخص ما كبر أم صغر , ليس له أخت أو أم أو إبنة إلا وترتدي الحجاب , ومن ثم فإن تصريحات وزير الثقافة المصري فاروق حسني هو دخول في مساحة ليس له , وهو نوع من الخروج على الفقة الإسلامي , وهو أيضا إهانه لكل هؤلاء المصريين في كلي بيت مصري ... ومن ثم فإن رد الفعل المصري سواء من الحكومة أو المعارضة أو قطاعات المجتمع , أو غضب أبناء الشعب في الجامعات والمصانع والشوارع وعلى صفحات الإنترنت هو أمر طبيعي ومتوقع .
بل إن إنضمام عدد كبير من نواب الحزب الحاكم بما فيهم كبار الشخصيات إلى المعارضة في حملتها ضد وزير الثقافة بسبب تصريحاته هو أمر طبيعي جداً , ولا يستدعي أي استغراب لأن الإهانه لحقت بهؤلاء ايضا وبالمجتمع كله , ولا يمكن أن ينفصلوا عن المجتمع إلى هذه الدرجة.
تصريحات وزير الثقافة كشفت المستور عن الكثير من الأمور والشخصيات والإتجاهات السياسية ومن طبقة الحكم نفسه في مصر , فمن ناحية فإن عقبة شخصيات وقوى حكومية تعني أن مصر ليست بلد علماني لارسمياً ولا شعبياً .. وبصرف النظر عن الرأي في الحكومه المصرية فإن هذه حقيقة ينبغى الإعتراف بها دون أن يعني ذلك الرضا عن ممارسات الحكومة السياسية والإقتصادية والإجتماعية , ومن ناحية أخرى فإن استمرار وزير الثقافة بعد هذه التصريحات رغم أن رئيس مجلس الشعب المصري وأحد أركان النظام بالطبع , وكذا مستشار رئيس الجمهورية ورئيس ديوان الرئاسة السيد زكريا عزمي , وشخصيات كثيرة من الحزب الحاكم مثل كمال الشاذلي وآخرين , كلهم أقروا أن تصريحات وزير الثقافة تدخل في باب المسئولية الوزارية الثقافية ومن ثم فهو خرج على مقتضيات الوظيفة , والبديهي أن يستقيل أو يقال , فلماذا يستمر , ولماذا إستمر كل هذه الفترة رغم أخطاء وخطايا معروفه في أزمة وليمة لأعشاب البحر , وكذا فضائح سرقات الآثار , بل وشبهات حول الوزير شخصيا!!
الوزير مستمر منذ 18 عاما حتى الآن وهو أقدم وزير الآن .. من يدعمه .. من يقف خلفه .. ولماذا يستمر .. وهل هؤلاء الذين يقفون خلفه إن وجد أقوى من الحكومة والرأي العام والذوق العام والوجدان الديني في مصر؟!
الأزمة بدأت إذن بتصريح الوزير لصحيفة المصري اليوم بأن الحجاب تخلف!! , وكان رد الفعل رسمياً وشعبياً كبيراً جداً , فقال الوزير أن التصريحات ليست للنشر , ولكنه لم يرفع قضية على الصحفي الذي نشرها ومن ثم فإن مصداقية الوزير هنا مهتزة جداً , ويرى البعض أن الوزير تعمد أن يبرز هذه القضية في ذلك الوقت بالذات ليخدم الغرب خدمة جليلة , حيث أنه يعطيها الذريعة أو المبرر للهجوم على الحجاب والرموز الأسلامية وهي أمور تكررت كثيراً في الفترة الأخيرة , لأنه كون وزير مصري في بلد الأزهر يقول ذلك , فلا معنى لحملة الغضب الإسلامي على التصريحات أو القوانين أو الممارسات الأوروبية أو غير الأوروبية في هذا الصدد , والوزير يقصد من ذلك تقديم خدمة بهدف الحصول على جائزة دولية في الفن على غرار جائزة نوبل , وهي بالنسبة له في هذا الوقت أي بعد 18 سنة من الوزارة والإحساس بقرب نهايته كوزير أو حتى نهاية حقبة بكاملها في مصر أفضل من الإستمرار في الوزارة , ومن ثم فإن رغبته في الحصول على جائزة دولية أو منصب دولي مرموق كان أكبر من خوفه على كرسي الوزارة .
الأزمة كانت بمثابة العمليه الكاشفة للكثير من الأوضاع والقوى والشخصيات , أول ما كشفت عنه هذه الأزمة هو أن الوجدان الشعبي المصري شديد الخصوبه والفاعلية , ومن ثم فإن رد الفعل الشعبي كان أقوى بكثير من رد فعل الأحزاب والقوى السياسية حتى الإسلاميه منها , بل إن الأزمة كشفت عن خلل مؤسف لدى الإخوان المسلمين مثلا الذين قال مرشدهم في تصريح لجريد العربي بتاريخ 26/11/2006 "إن أزمة الحجاب تهريج وأن الوزير فاروق حسني حر في آرائه , وأن في البلاد قضايا أهم من الحجاب " , والدكتور عبد المنعم أبو الفتوح صرح لجريدة صوت الأمة العدد 27/11/2006 أن الإخوان قبلوا اعتذار وزير الثقافة وأن الموضوع إنتهى ولن يصعد الإخوان ضد وزير الثقافة , وأياً كان الإمر فإن كلام كل من المرشد وعضو مكتب الارشاد عن الأولويات , هو نفسه كلام قطاع كبير من المثقفين والفنّانين والكتاب الذين دافعوا عن فاروق حسني وكذا الحديث عن حرية الرأي وهو كلام أقل ما يقال فيه أنه مراوغ , فليس هناك بالضرورة تناقض بين التصدي للفساء والإستبداد وإسرائيل وأمريكا وبين التصدي لمن ينتقص من الدين , خاصة أن الإسلام هو المحرك الأول للجماهير في المعارك ضد الأمريكان والصهاينه والفاسدين والمستبدين , بل إن اضعاف الدين وحصاره هو جزء من تهيئه المسرح للإستعمار واسرائيل والإستبداد والفساد , وكذلك فإن حرية الرأي لا تعني بالطبع أن يتجاهل المفترون والكتاب و السياسيون والوزراء الذوق العام والوجدان العام ومشاعر الناس واستخدام مواقعهم التي أتاحها لهم هذا المجتمع في الهجوم أو إزدراء قيم هذا المجتمع.
بل إن أكثر من هذا فإن الحجاب فريضه , وهو ايضا شكل من أشكال المقاومة للهجمة الغربية , لأنه رفض لأنماط الزي والسلوك والثقافة الغربية وتأكيد على الذات والهوية الحضارية والدينية وهو أمر له أهميه قصوى في معاكرنا الكبر داخليا وخارجيا ضد أمريكا وإسرائيل والإستبداد والفساد على حد سواء , وهذاهو ذاته ما جعلنا نُصدم في الذي كتبه الأستاذ جلال أمين وهو صاحب مواقف طيبه في القضايا القومية والوطنية والحضارية وقد أعتبر الرجل قضية الحجاب قضية هامشية "العربي عدد 26/11/2006" , وفي الحقيقة فإن ما فعله الأستاذ جلال أمين فعلته وبصوره أسوأ جريدة العربي بكاملها , وهي جريده لها مواقف وطنية وقومية وانحياز ضد اسرائيل وإمريكا والإستبداد والفساد فالجريدة _ للأسف _ خصصت مساحة تزيد عن 50% من العدد الصادر بتاريخ 26/11/2006 مثلا للدفاع عن وزير الثقافة , ولعل مجرد قراءة العناوين في الجريدة في كل الصفحات تقريبا يكشف هذا الأمر مثل .. "طيور الظلام تحكم مصر!!" , "وزير الثقافة باق , تطويق الأزمة داخل الحزب الوطني" , "زوبعة الحجاب وما بعدها" , "المجتمع يندفع إلى ظلام طويل , أصحاب الفضيلة الجدد", "أزمة تحجب المرأة أم ازمة مشروع النهضة" , "المجتمع يعاني من أزمة حوار" , "نرفض محاكم التفتيش ومصادرة حق إبداء الرأي" , "معركة الحجاب نهاية الدولة الدينية الحديثة" , "فاروق لا تتعجب لا تتراجع فالأرض تدور" , "حريتي أوسع من زنزانتي" , "أيها المثقفون انتبهوا نحن مقبلون على كارثة".
موقف جريده العربي , وكذا موقف مثقفين نحترمهم كان بمثابة صدمه لنا بل هي غير مفهومة , لأن قضية الحجاب جزء من قضية التحرر الوطني , ومن ثم فحتي لو لم يكونوا مكترثين لأحكام الدين , فهم هنا يتخلّون عن مساحة للفكر الغربي والأمريكي ويضربون حركة التحرر الوطني في الصميم , ولعل هذا ما فهمة المناهضون دائما , فمعركة السفور والحجاب التي فجرها قاسم أمين أوائل القرن الماضي فرزت سفرين واضحين , فالحزب الوطني والقوى المناهضة للإحتلال وقفت مع الحجاب , والقوى المواليه للإحتلال والفساد وقفت مع السفور !!.
فلماذا تغير الأمر الآن .. ربما يرى البعض أن تلك الحملة الهائلة من التضامن مع الوزير من معظم المثقفين والصحفيين والكتاب والفنّانين ترجع إلى أن الوزير طالما خصص إمتيازات من بدلات لجان , وبدلات تفرغ "بالآلاف شهرياً ولمدة طويلة لعدد من هؤلاء , أي أنه ذهب المغري , ولكنه تفسير لايمكن أن يكون صحيحاً على طول الخط , ولا بد من البحث عن تفسي آخر أو تفسير آخر عن سر هذا التضامن غير المسبوق لهذا الوزير الذي أخطأ خطأً واضحاً يصعب الدفاع عنه , خاصة وأنه هو شخصيا _ والله أعلم _ شخص يصعب الدفاع عنه.
مع تحيات~elsndbad~